
.
.
ما أحلى هذا الحديث .. وما أجمل هذه المشاعر الإيجابية!
(طيف ومطر) نص جميل يجب الاحتفاء به, كنت سأكتب خاطرة هنا
لكني فوجئت بهذا النص الجميل فأرجأت خاطرتي إلى حين, ولا أعلم ماذا
كنت سأكتب لكني كعادتي أستلهم الأفكار من لوحة المفاتيح ..
أرجأت خاطرتي لأني أرى أن هذا الجمال ينبغي ألا يُشتّت, بنصوص أخرى
بل يجب أن يُتأمل وتُقرأ الروح التي أفرزت هذه الكلمات النبيلة المعبرة عن قلب
متسامح متفهّم خبير بالحياة وردود أفعال النفس البشرية, قلب فسيح هادئ
لا تزلزله الأحداث السلبية ولا تخرجه عن طوره ..
وفكرة الخاطرة كما فهمتها تتلخص في أنه (كان طيفا جميلا عشقته بعمق ثم انتهت
هذه العلاقة فجأة) وهي فكرة متاحة لا يزال يشكو منها المحبون, لكن العبرة ليست
بالمعنى فالمعاني (مطروحة ملقاة في الطريق) كما يقول الجاحظ إنما العبرة في التعبير
والتعبير هو الأدب.
أول ما يداهم الخيال في هذا النص هو (صدق المشاعر) والصدق هو وقود النصوص
وهو السحر الذي يدغدغ شعيرات التذوق في نفس المتلقي .. والصدق مقياسه معنوي
يقيسه الشعور والإحساس, وقلما يخطئ مقياس الشعور في قياس المشاعر.
أما ثاني سمات الجمال هنا فهي (نبرة التسامح) ولا تظهر هذه النبرة إلا في النفوس
المشرقة التي تعشق بهدوء وتفارق بهدوء, والهدوء في الغالب الأعم هو مقياس العمق
أما الصخب في ردود الفعل السلبية فكثيرا ما يعبر عن علاقة مصالح مشتركة لا عن علاقة
تعانق قلوب والتقاء أرواح. وظهرت هذه النبرة المؤثرة في اجترار حلاوة الماضي والحاضر
بتوظيف مفردة (كنت) وقد لاحظت الكتابة هذا التكرار فبررته تبريرا جميلا.
أما ثالث محطات الجمال هنا فهي (الصور) الواقعية المنتزعة من عمق واقع الحياة
وهي صور لم تُبهتها معالجات التركيب بل هي صور طبيعية واضحة مؤثرة.
فالسماء والغيوم وكوب القهوة ودفء المعطف وقت الزمهرير والعود والرمال .. إلخ
كلمات تجسد الطبيعة المنعشة التي تشرق بها الروح, وأي جمال يكون عندما توظف
مفردات الطبيعة المنعشة في التعبير عن مكنونات الروح, وتوصيف مُشعّات الجذب
في شخصية المحبوب!
وإذا كانت معظم الصور هنا غير مبتكرة ولا جديدة فإنها لم تفقد تأثيرها في الروح
والعطر الجميل القديم لا يُخفت جماله ولا أثره في النفوس مع مرور الوقت والزمان
وعصير الليمون الممزوج بالنعناع المشعشع بالثلج سيظل طعمه يسيل اللعاب مهما
أدمنّا شربه في ظهريات القيظ وعصرياته.
(كنت فضفاضاً حد أني لم استطع الإتزان..)أما هذه الصورة فقد عانقت سنام الجمال
في التعبير والإيحاء والجو أيضا, فكلمة (فضفاض) وإن كانت تصرف الذهن عادة وعند
الوهلة الأولى إلى اللباس إلا أن نقلها إلا المشاعر نقلها إلى كون الجمال وكوثر السحر الحلال
(.. حد أني لم أستطع الاتزان) يالهذا الغلو اللذيذ في التعبير! ويالهذا الاتساع الجميل
الذي يقود إلى الترنح! هذا تعبير يمثل وثبة من وثبات الخيال, ونفحة من نفحات الجمال.
وأخيرا .. إذا كانت الخاطرة ركزت على استعراض محطات الجمال في تلك العلاقة
الروحية مع الطيف فإنها اكتفت بالإشارة فقط إلى انتهاء تلك العلاقة التي تم فضّها بهدوء
وسكينة, لا عن ملل أو كُره أو عداء بل برضا مشترك وأسف مشترك, وهذا يعني أن هذا
الفراق أوجبته ظروف خارجة عن الإرادة .. ما هذه الظروف؟ ولماذا؟ وهل كان بالإمكان
التغلب عليها؟ وماذا كان دور الطرف الآخر فيها .. إلخ كل هذه أسئلة تدور في مخيلة
الفضولي الذي تهمه الأحداث ولا يفرق بين الحقيقة والخيال .. أما أنا فلا يعنيني هنا إلا
التعرف على مكامن الجمال في التعبير.
هذه نظرة سريعة وانطباعات أدبية سريعة تراءت لي وأنا أقرأ النص فأردت تدوينها هنا
على سبيل التقدير للكاتبة, وإطلاع القارئ لهذا النص على رأي أحد المتذوقين ممن قرأوه
شكرا بع ـثرة وتقبلي تحياتي
.