عندما نكون في حالة اختلاء ذهني مع النفس . .
ونعيش اللحظات في تأمل و تفكر . .
فإننا سنصور الأمور والأشياء من حولنا جيدا ًً . .
نراها بعين العقل المدرك للمعاني المبهمة والمفاهيم الغامضة ,,
ولكننا في بعض الأمور ,,
سرعان ما تتصور الأشياء وتأتي الصورة بما تقتضيه عين القلب . .
فتفيض المشاعر وتلتهب الأحاسيس وتـُحرك فينا أشياء كثيرة !
كأنما لو كان القلب وحده هو جهاز التحكم فينا !
يدفعنا للقيام بسلوك يشفي تلك الأحاسيس وعن اقتناع تام ,,
*
*
*
قد نبدو في أحيانا ً كثيرة كـ المُعلقة !
بين سماء العقل و أرض القلب . .
وذلك حين يتفقا العقل والقلب ألا يتفقا !
العقل يفرض ويأمر . . والعاطفة تشير و تتسرب . .
و قرارنا في حيرة ما بين و بين ,,
لا لتحكيم العقل نرضخ ولا لتسرب العاطفة نستسلم !
نحتار . . فنختار الوقوف عند نقطة المنتصف بينهما . .
لأن المرء الفطين يدرك جيدا ً,,
أن حضور العقل لا يعني محق العاطفة ,,
و إفراط العاطفة لا ينفي وجود العقل !
*
*
*
تقول العرب :
[ فلان أبصر من غراب ]
لما عرف عن الغراب منذ الأزل ,,
بأنه حاد البصر قوي النظر . .
فهو يغمض إحدى عينيه مقتصرا ً على الثانية في النظر . .
فعين واحدة تكفيه كي يرى تحت الأرض على قدر طول منقاره . .
فإذا كانت قوة البصر في الإنسان نعمة عظيمة . .
فإن قوة البصيرة نعمة أعظم منها ,,
والمثل السابق يُنسب لمن كان صاحب بصيرة ولو كان ضعيف بصر !
فالبصيرة ,,
هي القدرة على الرؤية الصحيحة للأمور والمتشكلة من رجاحة العقل وقوة القلب . .
أي أن الإنسان البصير هو من اجتمعت فيه ,,
( قوة القلب و رجاحة العقل )
قال تعالى
" فإنها لا تعمي الأبصار ولكن تعمي القلوب التي في الصدور "
و أعمى القلب ,,
هو من ضعفت بصيرته و غاب عن قلبه نور الإيمان وعن عقله جودة التفكير . .
وعاش في ظلام حالك لا يقدر كشف الأشياء على حقيقتها . .
يراها كما زُينت في الدنيا . .
وكما زينها الشيطان وكما زينها الهوى . .
فيشعر بالضنك وتثاقل الهموم وضبابية الزيف . .
يسير باحثا ً عن رؤية صحيحة لما حوله . .
يحاول أن يرى الهدف . .
وأن يستبصر الطريق . .
وأن يستكشف الحقائق الغائبة التي بها يتوقى الزلل و الشر والارتكاس . .
ولكن هل يجدي البحث وهو أعمى !
يقول الإمام ابن القيم:
[ أصل كل خير للعبد – بل لكل حي ناطق – كمال حياته ونوره، فالحياة والنور مادة كل خير.. فبالحياة تكون قوته وسمعه وبصره وحياؤه وعفته.. كذلك إذا قوي نوره وإشراقه انكشفت له صور المعلومات وحقائقها على ما هي عليه فاستبان حسن الحسن بنوره وآثره بحياته وكذلك قبح القبيح ]
وكان صلى الله عليه وسلم يطلب البصيرة في دعائه ,,
(اللهم أرنا الحق حقا ً وارزقنا اتباعه وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه )
*
*
*
وفي الختام
اللهم اجمع بين قوة القلب ورجاحة العقل في جميع عبادك . .
اللهم بدد عن سمائنا غيوم الشبهات الثقيلة وسحب الفتن الكثيفة . .
واجعلنا ننظر للحياة بمنظار البصيرة الإيمانية . .
اللهم أنشر فينا نورا ً يغمر حياتنا كلها ,,
فيفيض على العقل و المشاعر والجوارح . .
وينساب في الحنايا والجوانح . .
وينير العيون والبصائر . .
فيشفي القلب الطيب الرقراق ويتجرد من القبائح . .
ويلهم العقل المدبر رجاحة واشراق ويتنزه عن الرذائل . .
اللهم آمين ,,